بين العاطفة والعقل مسافات فارغة حاول بعض اللاهثين إلى استرجاع بعضٍ من شعبيّة خسروها بفعل ممارساتهم السياسيّة إلى ملئها بصفّ الكلام وكيل الشتائم لكتلة نواب “القوّات اللبنانيّة” و رئيس الحزب سمير جعجع.
خطابات وفرمانات حلّلت دماء سمير جعجع الّذي باع المسيحييّن ونقض اتفاق بكركي، أحكام مبرمة على “القوّات” و نواب “14 آذار” تطلقها الجماعات “العونكشاريّة” على صفحات التواصل الاجتماعي محاولة مرّة جديدة ذرّ الرماد في العيون: “فعلها سمير جعجع”.
نعم فعلها سمير جعجع، فعلها فأسقط بالضربة القاضية كلّ أمل بالعودة إلى قانون الستيّن الذي ادعى الجنرال يوماً أنّه أعاد من خلاله الحقوق المسيحيّة المسلوبة.
فعلها سمير جعجع، تجرّأ حيث لم يجرؤ الآخرون وعاد بالمسيحيّين إلى عصر البطاركة الكبار الذين رفضوا تفتيت لبنان وكان أبرزهم البطريرك الحويّك الذي كان أب لبنان الكبير.
فعلها سمير جعجع فصدم كلّ مراهن على مرور القانون الأرثوذكسيّ في ساحة النجمة وسقوطه ذبيحة على قوس المجلس الدستوريّ. أوقف اللاعبين على وتر العصب الطائفي للمسيحييّن عند حدود الخطّ الأحمر. أوقف كلّ محاولة لجرّ لبنان إلى فدراليّة مقنّعة تجسّد أفظع صور الفيدراليّات هو الذي جاهر يوماً بالدعوة إلى فدراليّة علنيّة واضحة المعالم والحدود. فعلها سمير جعجع فحافظ على المسيحي في بلدات الأطراف كما يحافظ على المسيحيّ في كسروان و المتن.
في العاطفة: باع سمير جعجع المسيحيّين، فوّت عليهم فرصة انتخاب نوابهم.
في العقل: منع سمير جعجع جرّ المسيحيّين إلى آتون العصبيّات التي ستقضي على التمثيل والمجتمع في آنٍ واحد.
في العاطفة: سار سمير جعجع بعكس ما ارتضته القاعدة المسيحيّة.
في العقل: ستشكرون سمير جعجع لأنّه جنب المسيحيّين السقّوط في فخ ما اقترفته أيديهم.
لماذا كمسيحيّ أؤيّد ما قام به جعجع؟ بعيداً عن التحزّب الأعمى والانتماء إلى حزب “القوّات اللبنانيّة”، أنا مسيحيّ غيّرت الحرب اللبنانيّة كلّ الديمغرافيا المحيطة بمنطقتي. هذه الديمغرافيا الجديدة جعلت وضع منطقتي رغم قربها من العمق المسيحيّ شبيهاً بوضع مسيحييّ الأطراف. بحسب قانون اللقاء الأرثوذكسي إنّني كماروني سأنتخب لائحة تضمّ أربعة وثلاثين إسماً مارونيّاً من كل المناطق اللبنانيّة. لكن، ألا يضعني ذلك في القرن الواحد و العشرين، فريسة لجيل جديد من الإقطاعيّات الطائفية؟ ألا يجعل هذا القانون موارنة كسروان و جبيل و الشمال كونهم أكثر عدداً و أكثر تجمّعاً يؤثّرون على رأيي كماروني شوفيّ أو جنوبيّ؟
عذراً، لكنّ استبدال هيمنة بأخرى و لو كانت من نفس طائفتي فهو عودٌ على بدء، وليس خروجاً من واقع فرضه عليّ تغييب المسيحيّين عن السلطة طوال السنين الماضية. إن مجرّد التفكير بسيطرة مجموعة على أخرى و إن كانت متجانسة طائفيّأً، فهو ضرب لحريّة الرأي وحسن التمثيل.
صحيحٌ أنّه في الأرقام يشكّل القانون الأرثوذكسيّ وسيلة لجعل المسيحيّين ينتخبون جميع نوّابهم، لكنّه في الوقت نفسه يجعل المسيحيّين يحصرون حقوقهم بمعادلة رقميّة بسيطة هم الفريق الذي كان في أساس قيام لبنان التعدّدي.
فعلها سمير جعجع فعاد بالمسيحيّين إلى دورهم الأساس، فالتعايش المسيحي الإسلامي هو ثروة يجب عدم التفريط بها على ما قاله الإمام المغيّب موسى الصدر.
فعلها سمير جعجع فكان الهجوم عليه، فعلها فشنّ الغيارى حملات التجنّي والافتراء، فعلها فوضع قطار الانتخابات على سكّته الصحيحة، فعلها سمير جعجع فبرهن مرّة جديدة أنّ “القوّات اللبنانيّة” هي أمّ الصبيّ.
فعلها وليته لم يفعلها ربّما عرف المهاجمون والمزايدون حجم الخشبة في أعينهم عوضاً عن البحث عن القذى في عين “القوّات” و قائدها، وربّما عرفوا أنّهم لولا سمير جعجع لكانت الأنتخابات بحسب قانون غير الستّين حلماً من أحلام اليقظة. فمن فم مسيحيّ عاين الجرح وعرف طبيبه. شكراً سمير جعجع.