فريقان أساسيان أنصتا بكثير من الاهتمام إلى مضمون المؤتمر الصحافي الذي عقده سمير جعجع يوم الاثنين تحت عنوان "خدونا بحلمكم"، والذي تناول بشكل خاص الجلسة التشريعية والاعتراض المسيحي عليها: "العونيون" و"الحريريون".
طبعاً، لا قواسم مشتركة بين الشريحتين قد تدفع بهما الى الإلتقاء في هذا المربع، إلا ما يقوله "حكيم معراب"، وهو ما لم يعتد على قوله، وكلٌّ من الزاوية التي تعنيه ومن مقاربته للموقف "القواتي" مما سيجري في ساحة النجمة في اليومين المقبلين، أو لن يجري.
فعلاً، ما أدلى به الرجل بقي لساعات مدار نقاش داخل الصالونين، فصفق له الأول وكرهه الثاني. من مفارقات السياسة اللبنانية أن يكون "العونيون" هم الذين ابتسموا لمواقف سمير جعجع وأثنوا عليها، وأن يكون "المستقبليون" هم الذين اعترضوا على ما قاله في سياق رفضه للتشريع الفاقد للميثاقية، بينما كان يُفترض أن تكون الأدوار معكوسة ربطاً بالاصطفاف السياسي لكل فريق.
عملياً، تكاد تتكوّن قناعة لدى "الجمهور البرتقالي" أنّ سمير جعجع جاد في تقاربه منهم، وأنّ "اعلان النوايا" ليس ورقة مكتوبة لا مفاعيل لها، لا بل إنّ استثمارها في الحفاظ على الحقوق المسيحية بدأ يأخذ مداه لتكون نواة انطلاقة مشتركة بين القوى المسيحية، أو بالأحرى سقف سياسي لا يجوز للآخرين تجاوزه.
هكذا، يعتقدون أنّ ما فعله "التيار الوطني الحر" و"القوات" خلال الأيام الأخيرة هو أشبه بتكريس "فيتو" سياسي بيد القوى المسيحية يمكن تطويره مع الوقت والاستفادة منه لتحصيل الحقوق المهدورة والحفاظ على ما تبقى منها. ولهذا كان وقع كلام جعجع ايجابياً عليهم في لحظة نادرة في علاقة الفريقين، تشي بأنّ مستقبلها لا يشبه أبداً ماضيها.
في المقابل، فإنّ تحميل جعجع جزءاً كبيراً من مسؤولية السير بالجلسة التشريعية، لتيار "المستقبل" نزل ثقيلاً على صدور "الحريريين"، الذين صاروا شبه متيقنين من أن العلاقة بين الحليفين، أي "القوات" و"التيار الأزرق" سلكت مفترقاً قاسياً سيصعب بعدها العودة الى الوراء، الى سابق عهدها.
لدى سماعهم جعجع يذكرّهم بكلام رفيق الحريري بدا "الزرق" ممتعضين مما يقوله حليفهم، ونبشوا كل المحطات الخلافية بينهم، حيث باتوا شبه متأكدين أنّ حسابات سمير جعجع تتخطى رغبته بالتمايز عنهم، وانما تنمّ عن استراتيجية جديدة في التعامل معهم ومع الوسط المسيحي.
منذ خروجه من السجن ودخوله شريكاً في قوى 14 آذار، تجنّب سمير جعجع استخدام الخطاب المسيحي الفئوي، لا بل تحصّن بخطاب الفريق الآذاري، حيث بدا في بعض المرات ملوكياً أكثر من الملك، برغبة منه في تثبيت أقدامه على هذه الأرض وإبعاد التهمة التي التصقت به أيام الحرب بالعداء للقوى المسلمة.
ولكن، وبعدما تمكّن من مدّ جسور التحالف الى العالم العربي وتحديداً الخليجي، صار بامكانه العودة الى جذوره المسيحية. هذه القناعة باتت راسخة في أذهان "الحريريين"، الذين صاروا متأكدين أن سمير جعجع قبل "اعلان النوايا" هو غيره بعد الوثيقة. حساباته باتت مختلفة واعتباراته باتت مغايرة. طبعاً هذا التحالف الذي صار عمره عشر سنوات، لن يفكّ اليوم ولا الغد، ولكنّ تيار "المستقبل" بالتحديد سيتعامل مع حليفه على أساس الـ"نيو لوك".